الاثنين، 6 يوليو 2009


بقايا سرير!

في الغرفة 101 كان كل شيء من حولي مثاليا, فالأثاث الإيطالي الماركة كان فخما وأنيقاً، والسجادة حمراء مصنوعة في إيران تغوص فيها القدم، وهناك أيضا شاشة تلفزيون بلازما تبعث السرور والبهجة من خلال قنواتها التي لا يمكن للعاديين إلا الدفع لها كي يطالعوها!
الأهم من كل ذلك هو أنني مزدوج وعريض وجوانبي مخملية، وسيحبني كل من سيدخل الغرفة ذات النجوم الخمسة.. سيتخيل نفسه وكأنه في إيطاليا مباشرة، لكنني سأخبرك عن أهم من جاءني، لعل هذا الأمر يثيرك ويزيح عنك الحزن قليلا..
كنت قد سئمت طول الانتظار، إذ مكثت شهرا أنتظر أن يضعوني في المكان المناسب، ولكنهم تأخروا لأن الغرفة الساحرة كانت تحتاج إلى صيانة دقيقة، ويبدو أنني جئت باكرا أو بالأحرى أحضروني باكرا.. كنت أسمعهم يقولون بأن الغرفة التي تصان هي من أهم الغرف لموقعها المطل على البحر.. كم أحب هذا المنظر الساحر!
ربما لم يخطر ببالك أن تكون مطلا على مشاهد مغرية كالتي كنت أطل عليها، ولكن هذا لا ينبغي أن يثير ضغينتك ضدي، فالنهاية لا أحد يعرفها، وأنا الآن جوارك أحكي لك بعضا من حياتي الجميلة..
بعد أن تم كل شيء كان علي أن أنتظر بعض الوقت، حتى قرر أحدهم على ما يبدو أن يأخذ الغرفة.. وها أخيرا أسمع المفتاح الإلكتروني وهو يدخل في مكانه المخصص معلنا فتح الباب، وها أخيرا الباب ورأيت رجلا يدخل من الباب وخلفه عامل الفندق يضع له الحقيبة، ولم يكن معنيا به.. كان يتحدث في الهاتف النقال وهو يلف في الغرفة دونما أن يتأملها..
غادر العامل، ثم فجأة أحست بجسد ثقيل يجثم على صدري، لم أكن أتوقع ذلك الحجم ولكن في النهاية كان علي أن أصمت ولا أتأفف خاصة إنني في أول يوم خدمة فعلية..
لا يغرنك مظهري الآن فقد كنت قويا بما فيه الكفاية لأحمل عدة أشخاص في آن، يساعدني في ذلك أطرافي المصنوعة من الخشب الإيطالي المعروف والمطرز بالمخمل، وكنت عريضا ومريحا جدا وأتسع لشخصين معا..
المهم، قال الرجل السمين:
ماذا أفعل الآن؟
كل صفقات الأراضي فاشلة! ومن الفشل باع لي أحدهم أرض مقبرة! واليوم؟ بعدما اشتريت كل هذه الأراضي القريبة من المشروع تقول بأن المشروع تم تأجيله إلى أجل غير مسمى؟ وبأن الأراضي صارت لا تساوي شيئا؟ حتى إني لا أستطيع أن أعيد أموالي؟ لماذا؟؟
كان صوته عاليا وحادا.. ومما فهمته أنه خسر للتو صفقة كبرى.. لكن أمثالهم كما تعرف لا يكفون عن المحاولة، وبرغم حدة صوته إلا أنه قال لمحدثه على الطرف الآخر:
لكن هذا حال السوق.. كلنا يعرف بأن هذا الأمر محتمل، ولذا فإني أملك مشروعا أفضل بكثير مما كان! سأعيد كل ما ذهب مني في غمضة عين، سنؤسس محفظة مالية، وندعو الناس للمساهمة فيها، وبالطبع فالأرباح خيالية والأرباح هي من سيأتي بالناس، فالناس تواقون للثراء السريع الذي لا يأتي بالتعب! هل فهمت الآن ماذا سنفعل؟
كنت أستمع إلى كل تلك المعلومات الخطيرة ولا لسان لي كي أبدي رأيا، وبالأساس لا أعرف كيف سيضع كل المال في محفظته التي وضعها عليّ في تلك اللحظة وهو يخلع ملابسه؟..
لكنني في الأيام التالية كنت أرى بأن له محفظة كبرى، تقبع في الدرج المحاذي لي وفي آخر يوم له في الغرفة أفقت على وقع خطواته الثقيلة وعلى غير المتوقع كان نشيطا وفي لحظات كانت حقيبته السوداء جاهزة وكذلك الأموال في حقيبة أخرى صغيرة..
وبعد لحظات كانت العاملات يقمن بتنظيف الغرفة وحظيت بعناية خاصة وشراشف جديدة أسعدتني كثيرا، ثم في مساء نفس اليوم سمعت صوت الباب الذي اعتدت عليه وعلى ذلك الصوت المميز الذي يصدره كلما وضع المفتاح في القفل الإلكتروني..
هذه المرة كان الداخل علي رجل وامرأة جميلة جدا ترتدي فستانا أبيض وطرحة طويلة، فابتسمت.. كانا عروسين ويبدو أنها ليلتهم الأولى، فما أجمله من شعور أن أحظى بشرف ليلة حميمة خاصة بين عروسين شابين مملوءين بالحياة!
لكنهما خيبا ذلك الأمل الذي تأملته، فالفتاة العروس ظلت تبكي طويلا وكان يبدو أنها مرعوبة من الآتي، مما سيحدث بعدما خلعت رداءها الأبيض الجميل! وبرغم محاولات الزوج الشاب المتكررة لاستمالتها، إلا أنها كانت تبكي وتبكي، وهو لا يرى سوى الصد منها، حتى أصابه اليأس، فتحول إلى شخص آخر نقيض.. ويبدو أنه كان يحلم بهذه اللحظة بأي طريقة كانت، لكنه انزوى في الشرفة يتأمل البحر المعتم إلا من أضواء العبارات الخاصة، وأخذ يدخن بشراهة..
في صباح اليوم التالي كان الزوج الشاب يحاول أن ينسي زوجته الجميلة ما حدث في الليلة السابقة، لكنها كانت صامتة ولم تنم من الليل.. كانت مرعوبة ولا تتحدث، وكأنه كان يكلمني أنا، وعندما رأى أن الأمر لن يؤدي إلا نتيجة قلب وجهه مجددا، وبدأ يدخن.. ثم قال لها: هيا سنعود إلى البلاد!
بعد أيام من رحيل العروسين البائسين سمعت الصوت الأثير إلي، وهذه المرة أيضا كانا رجل وامرأة ولكنهما لم يكونا عروسين، فهي لا ترتدي فستانا أبيض..
كانا هذان الاثنان مختلفان، فهما لم يتكلما، بل بسرعة كانت ملابسهما ملقاة على السجادة الفارسية، وبسرعة كانا يقفزان فوقي، وكان صوت مفاصلي يزداد أنينا كلما التحما!
بعدما أنهيا عملهما الحميم كانا يتنهدان، ثم دار بينهما حديث علمت منه أن المرأة كانت تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية وهي تعيش وحيدة في المدينة دون زوجها المغترب هو الآخر في بلاد أخرى.. أما الرجل فيعمل في شركة وهو الآخر يحس بالتعب لأن زوجته لا تعيره أي اهتمام، لذلك عندما تعرفت عليه في أحد المراكز التجارية المشهورة تمسك بهذه العلاقة التي ستخلصه من التوتر والأرق!
سمعته أيضا يحدثها عن وضعه المالي وحاجة أمه للعلاج وإنه لا يملك من المال سوى القليل والعيد يطرق الأبواب وهو يعيل إخوانه الصغار وقالت له المرأة عندي خمسين ريالا سأعطيك إياها ورد الرجل: سأقترض من أصدقائي
فما كان منها إلا أن أخذت تقبله في أذنه ورقبته وهي تقول له: أنا أقرب من كل أصدقائك!
..................................
...............................
كيف وصلت هنا؟ سأخبرك يا صديقي.. في يوم من الأيام كان أحد النزلاء قد انتهى من حفلته الخاصة وغادرت الغانية التي كانت برفقته، وكان وقتها ثملا ويدخن سيجارا وهو نائم أو بالأخرى شبه نائم.. كان يحمل في يد سيجاره وفي الأخرى زجاجة الويسكي غالية الثمن، وفيما هو في سكرته تلك سقطت الزجاجة علي، وانسكب ما فيها ملطخا الشراشف وكل شيء، ولكن تلك مشكلة يمكن أن تحل، غير أن السيجار الكوبي الفاخر أيضا سقط عليّ فيما هو يدخل في أجواء النوم النهائية..
يمكنك أن تتصور ما حدث، فالنيران التهمت كل شيء، وأنا في المقدمة، ولم يكن لي لسان لأصرخ وأقول أنقذوني، أو لا أنقذوا هذا المسكين الذي كانت النيران تلتهمه فيما هو ما يزال نائما في سكرته!
لحسن الحظ أن النيران لم تأكل الفندق كله، وعندما أخمدت كنت كما تراني الآن: بقايا سرير!
هذه هي حكايتي، لكن ما هي حكايتك أنت أيها السرير الحديدي؟!



تمت،،،
ماهر الزدجالي2009

هناك تعليقان (2):

  1. أخيرا؟

    مبروك.. أتوقع لك مركز من المراكز الـ3 الأولى...

    حياك وبياك

    ردحذف
  2. لقد صدقت توقعاتي، وها أنت تحرز المركز الثاني بجداره وأساسه وسقفه..

    مبرووووووك..... فرحان أنا اليوم..

    ردحذف